المقاوم المغربي علال بن عبد الله دفن بجلبابه وطربوشه الوطني في حفرة عميقة بلا صلاة


مكتبتي | My library



حين نفي الملك رفقة أسرته إلى مدغشقر، انتفض حماس رجل استثنائي اسمه علال بن عبد الله، حمل خنجره ثم مضى لقتل شبح السلطان وعمه بن عرفة صنيعة الاستعمار، وتمكن من طعنه لكن الرصاص انهال عليه من كل جانب وقتل مدرجا في دمه، وهي قصة سبق ودرسناها في المدارس، لكن الجانب الضائع منها والذي رواه لنا شيخ مسن قدم في الخمسينيات لاجئا طريدا من زيان بعد الحملة الشرسة التي قادها المستعمر على أتباع موحى اوحمو الزياني، واحتمى بحمى قبيلة بهضبة زعير، وكان ضمن خلية وطنية هناك، وكشف سر القائد العميل الذي حمل جثمان علال بن عبد الله ودفنه في أرضه، حيث ظل الجثمان لسنتين مفقودا لا يعرف مكانه إلى أن عاد الملك محمد الخامس من المنفى، فما الذي جرى مع جثمان المقاوم علال بن عبد الله؟

مسار علال بن عبد الله السري

تسبق حكاية علال بن عبد الله بن البشير الزروالي إسمه بين شيوخ حي العكاري القديم بالرباط، فهم عاشروا علال وعرفوا دماثة خلقه وجربوا وطنيته وصدقه، كما تجار وسط مدينة الرباط الذين عاشروه وتعاملوا معه يشهدون بأمانته، وأيضا خلية المقاومة التي تشكلت بحي « لكزا » القديم و « قصر لبحر » بحي العكاري يعرفون من يكون إبن الشرق الذي قدم مهاجرا من تازة إلى الرباط في الثلاثينيات من القرن الماضي، حيث كانت البيوت مثل أخطبوط متشابكة بأنفاق سرية تقود مباشرة إلى البحر للإفلات من المستعمر، وكان علال ضمن تلك الخلية كما أكد مصدرنا، تلقى دروس الوطنية من كبار الوطنيين ومنظريها، مثل علال الفاسي والزرقطوني ومحمد اليزيدي والمهدي بن بركة، هذا الأخير كان جارا لعلال بن عبد الله وأحد أصدقائه، عاشره عن قرب وعرف خصاله المتفردة مثل الكرم والأمانة والشجاعة، وروى المصدر أن المغاربة لا يعرفون جيدا من يكون هذا الرجل الذي استرخص روحه في سبيل الوطن، والذي ذهبت ذكراه سدى لم توثق في يوم وطني احتفاء ببطولة ابن الشعب الذي رفض الذل والخنوع، ومات بطلا كبيرا .

مكتبتي | My library

في 20 غشت من سنة 1953 نفي محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر وعين مكانه عمه ابن عرفة، وفي 11 شتنبر من نفس السنة تأججت الوطنية في قلب علال ومن غير أن يُعلم الحركة الوطنية بخطته، قرر قتل بن عرفة، حيث ناور للحصول على سلاح ناري من خلايا الحركة لكنه لم يتمكن من ذلك، وعزم على أن ينفذ خطته بواسطة خنجر، في ذلك اليوم ودع علال أبناءه وزوجته الحامل بحي العكاري، وامتطى سيارة فورد رمادية اللون، ثم اجتاز باب السفراء الشمالي قاصدا مسجد أهل فاس الذي يوجد بمشور القصر الملكي، والذي كان بن عرفة يهم بدخوله لأداء صلاة الجمعة، واقتنص الفرصة المواتية، عندما غادر موكب بن عرفة باب قصر الرباط صوب مسجد أهل فاس الذي يبعد عنه بحوالي 500 متر، وفي الطريق اجتاز علال بن عبد الله الموكب وامتطى السيارة المكشوفة التي تقل صنيعة الاستعمار بن عرفة ووجه إليه ثلاث طعنات أفلتته من الموت، لكن البوليس الفرنسي الذي كان في مقدمة الموكب أطلق الرصاص بكثافة في اتجاه صدر علال بن عبد الله فخر صريعا مدرجا في دمائه، ونقل ابن عرفة إلى المستشفى للعلاج، وظلت الجثة مرمية في مشور القصر الملكي بالرباط، وتعالت الأصوات حول مصيرها بين قادة الشرطة والجيش الفرنسي، لكن قائدا من الخونة استدعي لأداء الصلاة مع ابن عرفة تدخل لفض النزاع بين القادة المتخاصمين حول مثوى علال بن عبد الله الأخير، هل سيكون في مقبرة مدنية أم سيعد من المختفين، واقترح أن يقوم بدفنه في قبيلته في قبر سري لا يعرف الجن الأزرق مكانه، واتفق الجميع على الطرح الذي قدمه قائد إحدى قبائل هضبة زعير، وانتهى الموضوع، فما الذي استجد لنجد لعلال بن عبد الله قبرا في مقبرة الشهداء بالرباط؟

قبر علال بن عبد الله بلا شاهدة

إنها قصة لا يعرفها المغاربة لأنها ظلت سرية لستين سنة إلى أن أماط عنها اللثام شيخ في التسعين من عمره كان على صلة بأحد القياد، كان شاهدا على الحدث وقدم اعترافا بقصة علال بن عبد الله في القبر، حيث حمل القائد المعروف بجبروته في قبائل زعير جثة علال بن عبد الله على مثن سيارته مدرجة بالدماء وقصد بيته الواقع بقبيلة أقرب إلى مدينة الرماني، واستعجل زبانيته ليحفروا حفرة عميقة في إحدى الحقول ثم أمر بدفن الجثة بجلابيتها وطربوشها الوطني الذي جاء مع الجثة بدون مراسيم دفن ولا تحنيط ولا صلاة جنازة، وظلت الجثة إلى أن عاد الملك من المنفى في سنة 1955، حيث كان أول أمر أصدره هو الكشف عن جثة علال بن عبد الله، وعرفت قصة ذلك القائد الخائن فجاء طائعا إلى القصر الملكي بالرباط وتقدم بين يدي الملك محمد الخامس واعترف بذنبه ثم طلب العفو، لكنه ظل في دائرة « الشوار » وبقي في السجن، وحمل جثمان علال بن عبد الله من حفرته العميقة وأعيد دفنه بطريقة تليق بمقامه، وأقيمت له صلاة الجنازة في مسجد أهل فاس الذي نفذ بجواره العملية الفدائية، ثم حمل جثمانه ليدفن بمقبرة الشهداء بالرباط كثوري عظيم، لكن ذلك القائد الخائن نال العفو الملكي بعد أن صرح السلطان محمد الخامس بأول كلمة لطي صفحة الماضي بالقول « اليوم نسيت الماضي بخيره وشره » وكانت رسالة من الملك للمصالحة الوطنية، حيث نال العفو كل القياد والضباط وبياعة الاستعمار، وطوي ملف صفحة الخونة الذين زاد عددهم عن 4 آلاف خائن إلى الأبد! 

Post a Comment

أحدث أقدم